آثار الصالحين والأولياء في ضرورة الرجوع إلى الكتاب والسنة
ثم إن هذا الكلام يريد الشيخ أن يقرر به الأتباع فيقول: (وأولياء الله لا يقولون هذا، والذي يقوله إما أن يكون كافراً، وإما أن يكون مفرطاً في الجهل، وهذا كثير في كلام المشايخ) أن ينبهوا إلى هذه الحقيقة؛ (كقول الشيخ أبي سلمان الداراني : [ إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين الكتاب والسنة ] )، و أبو سليمان الداراني رحمه الله من أشهر العباد في هذه الأمة؛ الذين علت منزلتهم في العبادة، وأعمال القلوب، والتأمل والتفكر في ملكوت الله، وذكر الله تعالى، وقد شهدت له الأمة بذلك، وسيرته مشهورة عند الجميع.فـالصوفية كانوا يدعونه؛ لما فيه من العبادة، والاجتهاد فيها، وهذه الدعوة مردودة؛ لأنه في الحقيقة متبع، فهو الذي قال هذه المقولة واشتهرت عنه: ( [ إنه ليقع في قلبي النكتة من نكت القوم ] ) يعني: ما يأتون به من رأي أو حكمة، أو موعظة، أو عبرة، فيقع مثلها في قلبي، ( [ فلا أقبلها إلا بشاهدين ] ) يعني: تظل موضع نظر وتساؤل وتردد حتى يشهد لها شاهدان وهما: القرآن والسنة، فما شهدا له قبله، وما رداه رده، وهكذا يجب أن يكون العباد، لكن جاء بعدهم أناس ضلوا وانحرفوا، وهذا كثير، وهو رحمه الله من أعظم هؤلاء العباد. والداراني نسبة إلى داريا والنون زيادتها هنا غير قياسية، وهي قرية في بلاد الشام. ثم قال: (وقال أبو القاسم الجنيد) الجنيد: هو الذي يقال عنه: شيخ الطائفة، والذي ينتسب إليه الجميع، ويقولون: إنه شيخهم كما أن الأئمة الأربعة مثلاً شيوخ الفقه، والبخاري شيخ الحديث.(يقول الجنيد: (علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة) ) أي: يعلم أتباعه ومريديه كل من ينتسب إليه (فيقول: (علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث فلا يصلح أن يتكلم في علمنا، أو قال: لا يقتدى به) أي: فما وافقهما قبل، وما خالفهما رد، فهذا هو كلام شيخ الطريقة الذي يدعون فيه ذلك، وينتسبون إليه، ثم يخالفون هذا القول ويقبلون ما كان مناقضاً لصريح القرآن والسنة.يقول: (ويقول أبو عثمان النيسابوري : من أمّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً؛ نطق بالحكمة) وهذه حقيقة، وهذا الكلام درر، وهو عين الصواب؛ لأن من فعل ذلك فقد اجتنب كل ما يعكر هذا القلب، والذي يعكر على القلب ويفسده هي الذنوب والمعاصي والبدع، فإذا ترك العبد الذنوب والمعاصي والبدع، وحكّم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، واتبعها في كل ما يقول وما يعمل، وحفظ لسانه وجوارحه؛ فإن قلبه يصفو، فيقع فيه الحق، فيتكلم وينطق وبالحكمة. يقول: (وإذا خالف ذلك وأمر الهوى نطق بالبدعة)، وليس المقصود: هوى الشهوات، فالكلام هنا عن هوى الشبهات، فإذا أعجبته موعظة، أو أعجبه خبر، أو قصة، أو حادث عن الأولين، أو فتوى هويها وأمّرها وتحكمت فيه؛ فإنه ينطق بالبدعة، ويفعل البدعة، ويأمر وينطق بها.يقول: (لأن الله تعالى يقول في كلامه القديم: (( وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ))[النور:54]) يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم، فيلقى الهدى في القول والعمل.قال: (وقال أبو عمر بن نجيد : كل وَجْد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل) والوجد: هو الذي يجدونه في قلوبهم، أو الذوق الذي يجدونه عندما يعبدون، أو يهيمون في الخلوات، أو يذهبون إلى المقابر أو غير ذلك مما يفعله هؤلاء الصوفية ، يجد في نفسه وجداً معيناً. إذاً: فهذا من جملة ما يحتج به على هؤلاء: أن أئمتكم إنما يدعون إلى تحكيم كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.